كتب الباحث السياسي جواد سلهب
لم يعد مقبولاً هذا الكمّ من التحليلات المتسرّعة والتهويلات اليومية التي يتبنّاها بعض “المحللين” في الإعلام، ممن يرددون سرديات مكرّرة، ويزعمون امتلاك المعلومات حول «الحرب القادمة غداً أو بعد غد»، وكأن هدفهم الوحيد هو إثارة القلق وجذب الإعجابات على حساب استقرار الناس وأعصابهم.
لقد أرهقتم البيئة الحاضنة بتصريحاتكم، وخلقتم حالة من القلق الدائم لا مبرر لها. فأطفال المستوطنات يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، بينما أطفالنا وناسنا يعيشون تحت ضغط الشائعات والتوقعات المتوهمة التي لا تستند إلى أي معطى واقعي أو ميداني.
والأدهى من ذلك، أن بعض الخطاب الإعلامي يتصرف وكأن من يتحدثون عنه يجلسون في «غرف عمليات العدو» ويحددون مواعيد الأحداث؛ بينما في الواقع دولٌ عظمى تنفق ملايين الدولارات للحصول على مثل هذه المعلومات الدقيقة والتوقيعات الاستخباراتية. إنّ مثل هذا الادعاء اللامسؤول يضخم صورتنا ويشوّه فهم الجمهور لطبيعة الأداء الاستخباري والسياسي في ساحات القرار.
إنّ المسؤولية تفرض على الجميع، ولا سيّما من يطلّ عبر الإعلام، أن يتحلّوا بالوعي والانضباط في الخطاب، وأن يعملوا على طمأنة البيئة لا على إرباكها. فقد مضى عامٌ كامل على هذا اللحن المملّ: «الحرب غداً، الانفجار قريب، المنطقة على شفير الهاوية» — ولم يحدث شيء من ذلك.
نحن لسنا دعاة حرب، لكننا أيضاً لسنا خائفين منها. ندعو فقط إلى الهدوء والتعامل بعقلانية ومسؤولية. وحين تفرض الأحداث نفسها، لكلّ حادثٍ حديث. أمّا الآن، فواجبنا أن نترك الناس تعيش، وأن نزرع فيهم الثقة والطمأنينة لا الهلع والتوتّر.
وأنا ما زلت أستبعد وقوع حرب شاملة، استناداً إلى معطيات ميدانية وسياسية واضحة تدفع الأطراف إلى تجنّب الانزلاق إلى مواجهة كبرى.